لا توافق بسهولة |
أجمع الكثيرون من أقوى المفاوضين على أنه من الضروري عدم الموافقة بسهولة على أول عرض أو أول طلب يطرح عليك لأن ذلك يولد اعتقادين في عقل من تتفاوض معه يؤثران بالسلب على موقفك أثناء وبعد إتمام الصفقة .
لنفترض أنك تريد بيع سيارتك بمبلغ ( 90000 جنيه ) وهذا المبلغ مناسب جداً لحالة سيارتك ومناسب لأسعار السوق .
وبعد أن تم اختبار سيارتك من قبل شخص يريد شراءها عرض عليك أن يشتريها بمبلغ ( 80000 جنيه ) .
أنت تريد أن تبيع سيارتك في أسرع وقت ولا تعرف متى يأتي شخص آخر لشراءها ولذلك وقعت في هذا الخطأ ووافقت على أول عرض للمشتري لكي تبيع السيارة ....
والآن ما رأيكم أن ننظر إلى ما حدث ولكن من الجانب الآخر من جانب الشخص المشتري ...
المشتري وجد سيارة جيدة بسعر مناسب لحالتها ومناسب لأسعار السوق ( 90000 جنيه ) ولكن المشتري لم يقع في ذلك الخطأ بأن يوافق على أول سعر تم عرض السياره به لذلك هو يعتقد بأنه إذا استطاع أن يخفض السعر ليكون ( 85000 جنيه ) فإنها سوف تكون صفقة ممتازة .
ولذلك هو عرض سعر أقل من الذي يطمح أن يصل إليه (80000 جنيه ) بحيث أنه غالباً ما يتم التوصل إلى سعر بين سعر طلب البائع وسعر عرض المشتري .
ولكن ما حدث أن المشتري تفاجأ بقبولك لأول عرض له وهو ( 80000 جنيه ) وفي تلك اللحظة يتولد لدى المشتري اعتقادين وهذين الاعتقادين في غير صالح البائع .
1 . أنه حصل على صفقة ممتازة أكثر من ما كان يتوقع .
2 . يعتقد بأنه لابد وأن هناك خطأ ما أو أن هناك خلل في السيارة لا يعلمه .
إن الاعتقاد الأول الذي يتوّلد عن المشتري يكون في غير صالح البائع لأنه من الممكن أنه يعمل على توّليد الطمع للمشتري ويقول في نفسه ( لو كنت عرضت سعر أقل من ذلك كان من الممكن أن يقبل به ) ويحاول أن يحصل على مزايا أخرى مثل أن يطلب أن تكون مصاريف تسجيل العقد على نفقة البائع أو أن يتحمل البائع أي مصاريف اضافية .
أما الاعتقاد الثاني فإنه أيضاً في غير صالح البائع لأنه عندما يحس المشتري بأن هناك خطأ ما أو أنه لابد أن يوجد خلل ما بالسيارة فإنه من الممكن أن يطلب أن تبقى معه السيارة لمدة معينه يجربها قبل إتمام الشراء أو أن يشترط أن يدفع جزء من المبلغ وباقى المبلغ بعد فترة معينه وكل ذلك في غير صالح البائع .
ما الذي كان يجب أن يفعله البائع لتجنب تلك السلبيات ؟
كان لابد عليه أن يحدد المبلغ الذي يريد أن يبيع به السيارة مثلاً ( 90000 جنيه ) ثم يقوم بعرض السيارة بسعر أعلى منه وليكن ( 95000 جنيه ) حتى إذا عرض المشتري سعر أقل من الذي طلبه البائع مثلاً ( 85000 جنيه ) فغالباً يتم التوصل إلى السعر الذي كان يريده البائع ( 90000 جنيه ) . ( راجع أسلوب " أطلب أكثر من ما تريد " ) .
وبذلك يتم إحباط توّلد الاعتقادين السلبيين عند المشتري ويشعر أن لم يتوصل إلى ذلك السعر بسهولة ولا يشعر أن هناك خطأ ما أو يوجد خلل كبير بالسيارة .
مثال آخر :
لنفترض أنك مدير في أحدى الشركات ومسؤل عن مجموعة من المهندسين .
أحد المهندسين يريد زيادة في راتبه بنسبة ( 30 % ) لأنه يعتقد أنه يستحق تلك الزيادة لذلك هو تقدم بطلب للحصول على تلك الزيادة .
كيف تتصرف كامدير مسؤل عن هذا المهندس في الشركة وتعتقد أنه يستحق تلك الزيادة زيادة في راتبه ؟ .
الأحتمال الأول :
أن تقع في ذلك الخطأ وتوافق سريعاً على الزيادة التي طلبها ( 30 % ) .
وفي ذلك الوقت يتوّلد لدى المهندس شعورين أو اعتقادين .
1 . هذا شيء جيد أن يتم الموافقة على طلبي بهذه السهولة .
وهذا الاعتقاد من الممكن أن يوّلد لديه الطمع ويقول في نفسه كان بإمكاني أن أحصل على زيادة أكثر لو كنت طلبت أكثر من ذلك سوف أحاول أن أحصل على زيادة مرة أخرى خلال فترة قصيرة أو أن احصل على مزايا أو بدلات اضافية .
2 . لماذا تم الموافقة على طلبي بهذه البساطة لابد أن هناك خطأ ما .
وفي تلك الحالة قد يتوّلد لديه شكوك معينة وأحاسيس من الممكن أن تؤثر بالسلب بعد ذلك .
فكان من المفترض أنك كامدير محترف أن تتعامل مع هذا الطلب بشكل مختلف ولأنك تدرك أنه فعلاً يستحق تلك الزيادة فكان من المفترض أن تتعامل كالآتي
الأحتمال الثاني :
أن توافق على الطلب ولكن ليس بزيادة ( 30 % ) مباشرة بل من الممكن أن توافع على زيادة بنسبة ( 20 % ) والباقي يتم قبوله في وقت لاحق أو أنك تشترط شرط معين بأن تقول لذلك المهندس أنه إذا وصل الإنتاج إلى مستوى معين فسوف تحصل على باقي الزيادة أو أن تكلفه بمهمة معينة وإذا نجح فيها يتم إعتماد باقي الزيادة .
أو من الممكن أن تشترط عليه أمر معين قبل إعتماد أي زيادة ( ولكن لا يكون شرط مغالا فيه ) .
تذكر :
- هذا الأسلوب يستخدمه الناس بشكل تلقائي في كثير من المعاملات وفي شتى المواقف .
- هذا الأسلوب هو المقابل لأسلوب " أطلب أكثر من ما تريد " فهو الأسلوب الأمثل للتعامل معه .
- هدف هذا الأسلوب هو إحباط توّلد الاعتقادين السلبيين في عقل من تتفاوض معه .
- الاعتقاد السلبي الأول يؤدي إلى الطمع والاعتقاد الثاني يؤدي إلى الشك بأن هناك خطأ ما أو يؤدي إلى بطىء إتمام الصفقة .
وأخيراً :
إن أغلب أساليب واستراتيجيات التفاوض المتعارف عليها لدى المهتمين ليست بدرجة نزاهة وأخلاقية مقبولة ولست أدعو لتطبيقها وإنما هى للعلم بالشيء وحتى نكون على علم بها إذا مورست معنا وجدير بالذكر أنّ أغلب الكتب والأبحاث التي تناولت آليات (التفاوض)، تجاهلت أخلاقيات الصدق والعدل والوضوح والإنصاف، أما في الرؤية الإسلامية فالعبرة بثبات (القيم) وتجلِّي (الصدق) والبُعد عن الحرص الزائد والإلحاح، أو أن تأخذ ما ليس لك وتسلب الناس حقهم، وتلك والله أرقى وأجمل استراتيجيات التفاوض.